الصفحة الرئيسية  رياضة

رياضة الكرة التونسية في حاجة إلى طبيب جرّاح وإلى عملية استئصالية!

نشر في  21 ماي 2014  (16:41)

ما من شك في أن نجاح أي مشروع رياضي يتطلّب توفّر الشروط المطلوبة لتحقيقه، وأوّل هذه الشروط وأهمّها برنامج عمل علمي واضح المعالم بعيد عن الإرتجال والعشوائية، يقوم على التخطيط السليم الذي يتلخّص في تحديد الأعمال وتوزيع المهام وذكر الموارد واختيار السبيل الأفضل لاستخدامها من أجل بلوغ الأهداف المرجوّة، وهو أقصر الطرق وأكثرها ضماناً وأقلها تكلفة، ويهدف التخطيط أو البرمجة إلى:
- وضع الأهداف المراد تحقيقها .
- تحديد الواجبات المترتّبة عن الاهداف المرجوّة والنصّ على الأولويات
- رسم مختلف الطرق والوسائل التي تؤدي الى تحقيق هذه الأهداف.
- تحديد التوقيت الزمني للمراحل المختلفة من العمل.
- توفير الميزانيات اللازمة .
تغيير أساليب العمل بات أمرا لا مفرّ منه إذا ما أردنا الإنقاذ والعودة إلى الواجهة العالمية، خصوصا أن الرياضة أصبحت اليوم علما وتخطيطا وادارة وبرامج قبل التفكير في تحقيق الإنجازات والتتويجات سواء تعلّق الأمر بالنادي أو بالمنتخبات الوطنية على حد سواء، ولكن قبل ذلك يجب أن نعترف بأن زمن المفاجآت والصّدفة قد ولّى وانتهى، ولم يعد ممكنا بالتالي تحقيق النتائج الباهرة دون توفير الشروط والمستلزمات، ناهيك أن الدول التي حققت إنجازات كبيرة في الرياضات الفردية والجماعية كانت قد أرست أسسًا متينة في بعث وتركيز المؤسسات الرياضية المقامة على أسس علمية وتوفير المناخ الملائم للمدربين والفنّيين وفضلا عن ذلك توفير كل متطلّبات الراحة والعمل للاعبين وتسخير كل الإمكانات المادية والبشرية والمعنوية لينصرفوا إلى العمل والمثابرة ورفع التحدّي.
وعليه فإن حُسن التدبير والتسيير واعتماد القواعد العلمية والتعاون والتكامل بين كل المعنيين والمتداخلين يضاف لكل ذلك التخطيط السليم والبرمجة الواضحة المعالم هي وحدها الطريق المُؤدية إلى النجاح. إن التراجع المذهل الذي تعيشه الكرة التونسية و نتج عنه غيابنا للمرة الثانية على التوالي عن نهائيات كأس العالم يعود إلى العشوائية التي ميّزت التسيير الرياضي في بلادنا وإلى إبعاد اصحاب الخبرة والتجربة والكفاءة في كل المجالات والمواقع الرياضية مقابل صعود أشخاص لا علاقة لهم أصلا بالرياضة والتسيير الرياضي. والسّؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، كيف لهؤلاء الفاعلين على الساحة الرياضية -دون اعتبار بعض الإستثناءات- أن يساهموا في تطوير وتغيير واقع الرياضة ودفعها الى الأمام؟ ماذا يمكن أن ننتظر منهم بعد أن جرّبناهم وخبرناهم وتأكّدنا من فشلهم ومحدودية إمكاناتهم في مجال التسيير الرياضي؟
ولعلّ الغريب في الأمر أنه ورغم هذا الإنحدار الخطير الذي تعيشه الرياضة التونسية وكرة القدم بشكل خاص لم نلاحظ ولحد يومنا هذا تحرّكا في اتجاه تصحيح المسار وإيقاف تيّار التقهقر والانحسار، كما لم نشاهد مبادرات حقيقية في اتجاه الإستئناس بخبرات الأكفاء الذين تعجّ بهم الساحة والإعتماد على آرائهم وتحاليلهم وتصوّراتهم، والتعويل عليهم لرسم الخطوط العريضة للمستقبل ليكونوا كالدليل لسائح تائه يريد أن يسلك الطريق الصحيح.
ولعلّ أمّ المشاكل التي زادت في أوجاع كرتنا ومصائبها أن المسؤول الرياضي يعتبر نفسه الشخص الذي يفهم في كل شيء، لذلك لا يعتمد على احد ولا يستشير أحدا، يريد من ينفخ في صورته ويُوهمه بأنه خبير الكرة الذي يعرف كبيرها وصغيرها وأدقّ تفاصيلها وجُزئياتها، لذلك أصبح هو الذي يأمر وينهي ولا يقبل أي نقد أو ملاحظات... بل هناك من المسؤولين من يعهد إلى نفسه بمهمّة اختيار الإطار الفني والقيام بالإنتدابات رغم أنّه لم يمارس أيّة رياضة في حياته. وحتّى اللجان الفنية الموجودة في الجامعات الرياضية هي معطلة أو تكاد تكون علاوة على وجود اشخاص فيها لايفهمون في المسائل الفنية في مجال اللعبة التي يشرفون - على الورق طبعا - على إدارتها فنيّا، وبالتالي كان من الطبيعي في ظلّ هذا الوضع أن ينعكس ذلك بشكل سلبي على حاضر وواقع رياضتنا الذي بات مريرا لا يسرّ حبيبا ولا عدُوّا.
لذلك نحن مطالبون اليوم -وأكثر من أي وقت مضى- بتغيير سياستنا الرياضية -هذا إن كانت لدينا سياسة رياضية أصلا- وإعادة النظر في واقعنا الرياضي، كما بات من المفروض التعاون ونكران الذات والإستعانة بجهود اصحاب الخبرة والاكاديميين وإعداد البرامج والتخطيط للمستقبل والعمل بصدق واخلاص لإنقاذ كرتنا ورياضتنا بشكل خاص، تلك هي الطريق الوحيدة الى نتائج باهرة ونجاحات مدويّة وانتصارات ساحقة.

بقلم: عادل بوهلال